كشف تقرير لوكالة “رويترز” عن اﻷسباب الكامنة وراء الخلافات بين رامي مخلوف وبشار اﻷسد وملاحقة اﻷخير له ومصادرة أمواله.
بداية النزاع :
حيث هاجم مخلوف في مقطع فيديو نشره على مواقع التواصل الاجتماعي، قوات أمن الدولة التابعة للنظام السوري التي وصفها بأنها غير إنسانية، وقال مخلوف يا سيادة الرئيس، الأجهزة الأمنية بدأت تتعدى على حريات الناس، وذلك بعد أن بدأوا يقتربون منه شخصياً.
وكان ذلك أول إشارة علنية للسوريين كشفت عن شرخ في قلب النخبة الحاكمة، فلم يحدث من قبل أن تحدثت شخصية رفيعة كهذه ضد النظام السوري من داخل دمشق.
فمن المعروف عن مخلوف أنه ساعد النظام السوري طوال سنوات الثورة على التهرب من العقوبات الغربية على الوقود وسلع أخرى تتسم بالأهمية لحملته العسكرية ضد الشعب السوري.
الأسباب الاقتصادية:
لكن المال جعل الأسد ومخلوف يتصارعان علناً، ووصل الأمر إلى مداهمة القوى الأمنية لشركة سيريتل للاتصالات التابعة لمخلوف، في إطار نزاع ضريبي واحتجزت عشرات الموظفين لاستجوابهم.
أظهر تحدي مخلوف العلني أن تهديد النظام السوري الذي يحكم بقبضة من حديد قد لا يأتي في نهاية المطاف من ساحة المعركة، وإنما من حلفاء كانوا مخلصين يوماً ما ومن الاقتصاد السوري المنهار.
وتحدثت رويترز إلى أكثر من 30 مصدراً من بينهم مقربون من عائلتي الأسد ومخلوف ورجال أعمال محليون ومسؤولو مخابرات غربيون، وراجعت وثائق رسمية لتتبع مسار الأحداث التي أدت إلى انهيار تحالف عائلي امتد إلى جيلين، ورفضت كثير من المصادر نشر أسمائها لحساسية الموضوع.
ووصفت هذه المصادر في المقابلات كيف أبقى مخلوف بعض ثروته بعيداً عن أنظار رأس النظام السوري، بينما كان يوسع إمبراطوريته على مدى عقدين من الزمن.
وأصدر الأسد تعليماته لمدير المخابرات السورية في مايو أيار 2019 بتعقب ثروات مخلوف المخبأة في الخارج والتي تقدر بمليارات الدولارات.
حيث أصبح النظام السوري في أمس الحاجة إلى السيولة، بعد سنوات طويلة من استنزاف الاقتصاد السوري في الحرب، لدرجة أن مصرف سوريا المركزي استدعى في سبتمبر أيلول 2019 كبار رجال الأعمال السوريين إلى اجتماع وأمرهم بتسليم بعض ثرواتهم.
ولم ترد وزارة الإعلام السورية على أسئلة تفصيلية لهذا التقرير الخاص. ولم يكن هناك رد على الأسئلة التي أرسلت بالبريد الإلكتروني إلى مخلوف عبر ابنه، بينما امتنعت سيريتل عن التعليق.
تاريخ العلاقات المالية بين العائلتين:
بدأت الترتيبات المالية بين عائلتي الأسد ومخلوف مع الآباء حين استولى حافظ الأسد، وهو ضابط في سلاح الجو من قرية جبلية، على السلطة في انقلاب عسكري عام 1970. ولجأ إلى محمد والد مخلوف لإدارة الأموال التي تدرها الصناعات التي تسيطر عليها الدولة وعمولات العقود ، والتي من شأنها دعم حكمه. كان محمد، المعروف بلقب أبو رامي، يتمتع بمهارات مالية يفتقر إليها حافظ
وقال “جوشوا لانديس” وهو متخصص في الشؤون السورية ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما إنه :” كان جانب مخلوف بشكل عام أفضل تعليماً وتمرساً، ومن ثم كان بوسعه المساعدة في الشؤون المالية، وهو أمر لم تكن عائلة الأسد بارعة فيه ولم تتلق التعليم له كما أنهم كانوا عائلة مخلوف أفضل في التعامل مع أهالي دمشق وحلب الذين يهيمنون على الاقتصاد السوري.
وحصد مخلوف الأب ثماراً كبيرة من هذه العلاقة، ففي السبعينيات من القرن الماضي، عُيِن رئيسا للمؤسسة العامة للتبغ التي كانت تحتكر الصناعة في سوريا. وبعد عقد من الزمان، وسع مصالحه التجارية بصفته رئيسا للبنك العقاري المملوك للدولة، ولعب دور الوسيط للعقود الحكومية.
نشأ الأبناء معاً وكانوا مقربين، وقال أحد شركاء مخلوف السابقين إنه عندما كان رامي مخلوف شاباً اعتاد الذهاب إلى مسكن الأسد وكان يفتح الثلاجة مثل أي فرد من أفراد الأسرة.
والتقى أيمن عبد النور بالرجلين في جامعة دمشق في الثمانينيات عندما كان مدرسا مساعدا وكانا طالبين. ويعيش عبد النور الآن في الولايات المتحدة. وقال عبد النور إن مخلوف والأسد كانا مقربين لدرجة أن سلوكياتهما كانت متشابهة، وقال كان رامي يجلس هادئاً للغاية مثل بشار، لقد تطبع بشخصيته لأنهما تربيا معاً.
وأنيسة والدة بشار هي عمة رامي، واستطاعت بشخصيتها القوية وتأثيرها السياسي النافذ أن تضغط من أجل ابن أخيها داخل الأسرة ولعبت دورا أساسيا في صعوده، حسبما قال أشخاص يعرفون العائلة. ومع تقدم والده في العمر، تولى رامي بسلاسة مسؤوليات مدير الأموال لعائلة الأسد.
وفي أوائل العقد الأول من القرن الحالي، تمتعت سوريا بنمو اقتصادي سريع وازدهرت أعمال مخلوف، وكانت جوهرة التاج هي شركة الاتصالات سيريتل. ووفقا لمخلوف، فقد نمت الشركة من بضع مئات الآلاف من المشتركين إلى 11 مليون مشترك. وقال لانديس حوّل رامي سيريتل إلى شركة متطورة يتطلع الكثير من أفضل وأنبغ العقول في سوريا للعمل فيها.
تأثير العقوبات:
لفت مخلوف انتباه الولايات المتحدة، وفي عام 2008، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على رجل الأعمال، واصفة إياه بأنه أحد مراكز الفساد الرئيسية في سوريا، وزعمت الوزارة أنه تلاعب بالنظام القضائي واستخدم مسؤولي استخبارات الدولة لترهيب المنافسين والحصول على تراخيص حصرية لتمثيل شركات أجنبية في سوريا.
وأضافت أن علاقاته مع الأسد جلبت له مشروعات مربحة للتنقيب عن النفط وإقامة محطات لتوليد الطاقة.
وقال ستيوارت ليفي، وكيل الوزارة لشؤون مكافحة الإرهاب والمعلومات المالية آنذاك :”استخدم رامي مخلوف الترهيب وعلاقاته الوثيقة بالنظام السوري للحصول على مزايا تجارية غير مقبولة على حساب السوريين العاديين.”
وعندما خرج المتظاهرون إلى الشوارع للمطالبة بإسقاط الأسد عام 2011، كانت هتافاتهم موجهة أيضاً ضد اللص مخلوف. ومع تحول الانتفاضة الشعبية إلى حرب أهلية ثم إلى صراع متعدد الأوجه، ساعد مخلوف في دعم حملة الأسد العسكرية بالوقود والواردات الأخرى.
الشركات الخارجية:
وفي منشور على مواقع التواصل الاجتماعي في 26 يوليو تموز هذا العام، أقر مخلوف بأنه أسس شركات منفصلة عن عائلة الأسد، لكنه أصر على أن دور هذه الشركات وهدفها هو الالتفاف على العقوبات وليس الإثراء من وراءها.
ومن بين مصالح مخلوف خارج سوريا، كانت هناك شركة محاماة في بيروت تسمى شركة الشرق الأوسط للقانون ش.م.ل وتُظهر البيانات المتاحة علنا أن مخلوف وشقيقه وشركاءه اللبنانيين أسسوا الشركة عام 2001. وبحسب السجل التجاري اللبناني، تواصل الشركة عملها وتشمل أنشطتها إدارة الشركات داخل لبنان وخارجه ومعاملات التجارة الخارجية. لم تتمكن رويترز من الوصول إلى الشركة أو شركائها للتعليق، ولا يمكن للوكالة تحديد ما إذا كان مخلوف يلعب أي دور هناك حتى اليوم.
وقدر شركاء أعمال سوريون ثروة مخلوف الشخصية بما يتراوح بين خمسة مليارات دولار و15 مليار دولار. ولا يزال حجمها الحقيقي سرا خافيا. وقال مخلوف، في أحد مقاطع الفيديو التي نشرها في الآونة الأخيرة إن أرباح أعماله استخدمت لأغراض خيرية، مثل تمويل قدامى المحاربين الجرحى والأسر الثكلى، من خلال شركة قابضة يملكها.
الانهيار الاقتصادي السوري:
بمساعدة روسيا وإيران، قلب الأسد مجرى الحرب في سوريا، لكن الانتصار في ساحة المعركة كان له ثمن، فقد بات الاقتصاد السوري منهاراً، وفقدت الليرة السورية ما يقرب من 80 في المئة من قيمتها على مدار عقد من الحرب.
وتسبب القتال في أضرار تقدر بعشرات المليارات من الدولارات وخرب الزراعة ودمر الصناعة، وقضى على تدفق العملات الأجنبية من السياحة وصادرات النفط. وتفاقم التضخم وبات كثير من السوريين يكافحون لتوفير احتياجاتهم الأساسية مثل الطعام والكهرباء. وتقول الأمم المتحدة إن ثمانية من كل عشرة أشخاص يعيشون تحت خط الفقر في سوريا.
وبينما دعمت روسيا الأسد عسكرياً وبإمدادات غذائية، فإن تدخلها لم يكن بالمجان، إذ يتعين على سوريا أن تدفع مقابل معظم القمح الروسي الذي تستورده وكذلك لشراء الأسلحة.
وفي الأشهر الأخيرة، أدت أزمة مصرفية في لبنان إلى قطع مصدر حيوي للدولارات عن النظام السوري، مما أسفر عن تفاقم الصدمة الاقتصادية وتدهور العلاقات المالية المتوترة بالفعل بين الأسد ومخلوف.
ومع انهيار الاقتصاد، بات الأسد عازماً على استعادة مليارات الدولارات التي يحتفظ بها مخلوف في شركات خارجية.
مؤشرات سقوط رامي مخلوف:
وظهرت أولى المؤشرات على سقوط مخلوف في ديسمبر كانون الأول 2019، عندما اتهمت مديرية الجمارك السورية مخلوف وبعض رجال الأعمال الآخرين باستيراد بضائع دون التصريح بقيمتها الحقيقية. وجمد الأمر الذي اطلعت عليه رويترز أصول مخلوف وزوجته ووقعه وزير المالية السوري. وقال مخلوف منذ ذلك الحين إنه دفع سبعة مليارات ليرة سورية ثلاثة ملايين دولار لتسوية النزاع، ولم تعلق السلطات السورية.
والأموال التي جمعها مخلوف في الخارج، وتقدرها مصادر في مجتمع الأعمال السوري بأكثر من 10 مليارات دولار، لها وزن اقتصادي حقيقي. وقال دبلوماسي غربي إن استعادة هذه الأموال تمثل أهمية وجودية للنظام
وعلى الرغم من إذعانه في مسألة الخلاف الجمركي، إلا أن مخلوف قاوم فكرة التنازل عن ممتلكاته الهائلة، وقال مصرفيون وشركاء أعمال مطلعون على الأمر إنه أبلغ الرئيس بأن يسعى للحصول على الدولارات من مكان آخر ومن أباطرة آخرين
وبدأت قوات الأمن السورية مطلع هذا العام حملة اعتقالات ألقت خلالها القبض على عشرات الموظفين في سيريتل دون تفسير قانوني، وقالت مصادر سورية إن أشخاصا اعتقلوا كان يطلق سراحهم أحيانا قبل اعتقالهم مرة أخرى. ولم تستطع رويترز تحديد ما إذا كان قد تم توجيه أي اتهامات. وقال مصرفي في دمشق مطلع على الأمر إن الموظفين استُجوبوا بشأن تحويل الأموال إلى شركات واجهة أنشأها مخلوف في الجزر العذراء البريطانية وجزيرة جيرزي
وقال المصرفي بدمشق كانوا يستجوبونهم بشأن تفاصيل الشركات الخارجية التي وقعت صفقات إدارة مع سيريتل، ولم يخض في تفاصيل ولم تستطع رويترز تحديد ما إذا كانت أي أموال قد أعيدت إلى سوريا
وقال رجل أعمال إن الاعتقالات تهدف إلى إرسال رسالة إلى العاملين لدى مخلوف مفادها أنه لم يعد من المقربين.
تطور النزاع والانهيار:
وظهر الخلاف بين الأسد ومخلوف على الملأ في 30 أبريل نيسان، عندما نشر مخلوف أول مقطع فيديو من ثلاثة على وسائل التواصل الاجتماعي، وقال في مقاطع الفيديو إن الحكومة طلبت منه التنحي عن إدارة شركاته بما في ذلك شركة سيريتل. كما تحدث عن تهديدات من أشخاص غير محددين في النظام بإلغاء ترخيص شركة سيريتل ومصادرة أصولها إذا لم يمتثل
وفي 19 مايو أيار 2020، جمدت وزارة المالية أصول مخلوف وزوجته وعدد غير محدد من أصول ولديه على الأقل، بحسب وثيقة اطلعت عليها رويترز. كما أمرت بمصادرة الأصول الخارجية لضمان سداد مستحقات هيئة تنظيم الاتصالات .
وقالت الحكومة إن سيريتل مدينة لهيئة تنظيم الاتصالات بمبلغ 134 مليار ليرة سورية 60 مليون دولار فيما يتعلق بشروط ترخيص الشركة. وأصر مخلوف في إحدى منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي على استعداده للدفع
وصدر أمر منفصل منع مخلوف من الحصول على عقود حكومية لمدة خمس سنوات.
from
https://stepagency-sy.net/2020/08/14/%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%b2%d8%a7%d8%b9-%d8%a3%d8%af%d8%aa-%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%82%d8%a7%d8%b7-%d8%b1%d8%a7%d9%85%d9%8a-%d9%85%d8%ae%d9%84%d9%88%d9%81/
from
https://stepagency.blogspot.com/2020/08/blog-post_853.html
No comments:
Post a Comment